المتابع للتطورات السياسية والحزبية المصرية في الآونة الأخيرة يكتشف للوهلة الأولى أن هناك تطوراً نوعياً في ممارسة الإخوان المسلمين في مصر؛ فالجماعة بادرت ـ والمبادرة هنا جزء هام في الموضوع بتنظيم عدد من المظاهرات بدءاً من يوم الأربعاء 4 مايو 2005، ثم تتابعت في عدد أكبر من المواقع والمحافظات، ولعل المظاهرات الأكبر كانت يوم الجمعة الأخيرة حين شهدت القاهرة، ومدن أخرى مثل المنصورة والزقازيق وغيرها مظاهرات كبيرة ـ بالآلاف ـ وسقط في إحدى هذه المظاهرات شهيد هو طارق مهدي غنام (34 سنة ـ مدرس لغة إنجليزية) وذلك في مسجد الغنام بطلخا بالدقهلية.
المظاهرات حرصت على عدم التنديد بالرئيس مبارك، وهذا جزء من أدب الإخوان ولا شك، ولكنها طالبت بمطالب من نوع إلغاء قانون الطوارئ، والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، وتحقيق الحريات العامة، وعدم تفريغ التغيير من مضمونه، ولا شك أن هذه المطالب هي مطالب مصرية عامة، وهذا أولاً يقرب الإخوان المسلمين من قلوب الناس، باعتبار أن الناس تدرك أن جماعة الإخوان هي القادرة عملياً على الضغط على النظام وتحقيق الأماني الشعبية، وهو أيضاً تغيير نوعي في لغة الإخوان المسلمين بحيث تقترب أكثر من الإجماع الشعبي السياسي المصري وهي رسالة تطمين للآخرين بأن الإخوان لا ينوون استبعادهم من الساحة السياسية بل يقتربون منهم، رغم أن عدداً من القوى السياسية -بالتواطؤ مع الحكومة- كان عادة ما يستبعد الإخوان المسلمين من العملية السياسية!!
المسألة -بالطبع- لم تمر بدون خسائر؛ فالأوساط الإخوانية تقدر عدد المعتقلين من الإخوان بنحو ألف معتقل بمن فيهم قيادات كبيرة مثل الدكتور عصام العريان رئيس النخبة السياسية للجماعة، والدكتور محمود عزت الأمين العام للجماعة، والدكتور حلمي الجزار القطب الإخواني المعروف، وبديهي أن لكل مواجهة سياسية ثمناً، وفي حالة الإخوان المسلمين فإن الثمن المدفوع في المواجهة السياسية وعبر الطرق والوسائل السلمية سيكون أقل عادة من الثمن المدفوع في السكوت، وصحيح أن الحكومة حوّلت عناصر الإخوان إلى النيابة العامة وأسندت إليهم تهم التظاهر، والتحريض، وتكوين جماعة غير شرعية ومقاطعة الاستفتاء .. الخ ، ولكن كل هذه التهم كان من الممكن توجيهها بدون حركة ولا تحرك من الإخوان، وكان كثير من الاعتقالات والمحاكمات والقضايا قد تعرض لها الإخوان في السنوات الأخيرة وبعضها أمام محاكم عسكرية، وصدرت أحكام كبيرة بشأن بعضهم. وبديهي أن الإخوان يدركون أنه لا حركة بدون خسائر، ولكن مع الحركة وخسائرها المعقولة يكون الضغط الشعبي، والمكسب السياسي وأداء الواجب الديني والوطني.
هذا بالطبع تغيير نوعي في أداء الإخوان، الذين كانوا عادة يفضلون المجيء في ذيل المواجهة السياسية والتردّد وعدم الإقدام، وهو أمر له ما بعده شريطة أن يكون تغيراً إستراتيجياً في فكر وبنية الجماعة، وليس مجرد صحوة مؤقتة.
هذا التطور النوعي ـ الجديد ـ أكدته تصريحات المرشد العام للإخوان المسلمين الأستاذ محمد مهدي عاكف في مؤتمره الصحفي الذي عُقد في مقر الجماعة بالقاهرة يوم الأحد 8 / 5 / 2005، والذي أكد فيه أن ما حدث هو نوع من الاحتجاج الرمزي، وهو هنا يشير إلى أن مقررات الجماعة كبيرة جداً، وأن الجماعة قادرة على إخراج مئات الألوف من الناس للتظاهر، وبالتالي فإن على النظام وعلى القوى السياسية الأخرى عدم تجاهل الإخوان المسلمين في أي تطور سياسي في مصر؛ لأن هذا ضد المنطق والمصلحة، وأكد المرشد العام للإخوان من جديد على ضرورة دعم الحريات ومحاكمة قتلة المتظاهرين، وإلغاء قانون الطوارئ، وكلها أمور تدل على تطور هام ونوعي في لغة الإخوان المسلمين.
الأمر الأكثر دلالة هنا هو أن المرشد العام للحركة أكد على رفضه القاطع للتحاور مع الأمريكان، وهو موقف مشرّف للحركة ولا شك. نحن إذاً أمام تطور نوعي، نود أن يتحول إلى إستراتيجية ثابتة لجماعة الإخوان المسلمين، وفي تلك الحالة سوف تحصد الجماعة مصداقية عالية، أما إذا انتكست الجماعة، وباعت الناس ومشاعرها في مقابل صفقة مع الحكومة فإنها تفقد الكثير من مصداقيتها ومن تعاطف الجماهير المصرية معها.
نأمل أن يكون الموقف إستراتيجياً، ونميل إلى الاعتقاد بأن هذا التطور له أسبابه الموضوعية والذاتية منها أن الجماعة أصبحت على قدر كبير من القوة والانتشار، ومنها أن الظروف الموضوعية في مصر ناضجة للحركة تماماً وأن عدم قطف الثمرة في ذلك الوقت يعني خيانة الأمة والحركة بل ويهدد بانشقاقات في الحركة ذاتها ربما يهدد وجودها ذاته، ومنها أن هناك صراعاً داخل الحركة بين تيار يمثله المرشد العام ومجموعة من الشباب الراغب في تبني إستراتيجية أكثر راديكالية، ومجموعة أخرى لها مصالح اقتصادية تقتضي التهدئة بل, وأحياناً التوافق مع الأمريكان والنظام المصري، ويمكننا أن نقول: إن سيادة مجموعة المرشد والشباب سيعني الكثير على مستوى حاضر الحركة ومستقبلها السياسي في مصر.
ملحوظة: المقال لا يمثل نظرة الموقع لأي جماعة على الساحة وإنما هو استشعار من الموقع لأحداث الأمة في بقاع الأرض.
المظاهرات حرصت على عدم التنديد بالرئيس مبارك، وهذا جزء من أدب الإخوان ولا شك، ولكنها طالبت بمطالب من نوع إلغاء قانون الطوارئ، والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، وتحقيق الحريات العامة، وعدم تفريغ التغيير من مضمونه، ولا شك أن هذه المطالب هي مطالب مصرية عامة، وهذا أولاً يقرب الإخوان المسلمين من قلوب الناس، باعتبار أن الناس تدرك أن جماعة الإخوان هي القادرة عملياً على الضغط على النظام وتحقيق الأماني الشعبية، وهو أيضاً تغيير نوعي في لغة الإخوان المسلمين بحيث تقترب أكثر من الإجماع الشعبي السياسي المصري وهي رسالة تطمين للآخرين بأن الإخوان لا ينوون استبعادهم من الساحة السياسية بل يقتربون منهم، رغم أن عدداً من القوى السياسية -بالتواطؤ مع الحكومة- كان عادة ما يستبعد الإخوان المسلمين من العملية السياسية!!
المسألة -بالطبع- لم تمر بدون خسائر؛ فالأوساط الإخوانية تقدر عدد المعتقلين من الإخوان بنحو ألف معتقل بمن فيهم قيادات كبيرة مثل الدكتور عصام العريان رئيس النخبة السياسية للجماعة، والدكتور محمود عزت الأمين العام للجماعة، والدكتور حلمي الجزار القطب الإخواني المعروف، وبديهي أن لكل مواجهة سياسية ثمناً، وفي حالة الإخوان المسلمين فإن الثمن المدفوع في المواجهة السياسية وعبر الطرق والوسائل السلمية سيكون أقل عادة من الثمن المدفوع في السكوت، وصحيح أن الحكومة حوّلت عناصر الإخوان إلى النيابة العامة وأسندت إليهم تهم التظاهر، والتحريض، وتكوين جماعة غير شرعية ومقاطعة الاستفتاء .. الخ ، ولكن كل هذه التهم كان من الممكن توجيهها بدون حركة ولا تحرك من الإخوان، وكان كثير من الاعتقالات والمحاكمات والقضايا قد تعرض لها الإخوان في السنوات الأخيرة وبعضها أمام محاكم عسكرية، وصدرت أحكام كبيرة بشأن بعضهم. وبديهي أن الإخوان يدركون أنه لا حركة بدون خسائر، ولكن مع الحركة وخسائرها المعقولة يكون الضغط الشعبي، والمكسب السياسي وأداء الواجب الديني والوطني.
هذا بالطبع تغيير نوعي في أداء الإخوان، الذين كانوا عادة يفضلون المجيء في ذيل المواجهة السياسية والتردّد وعدم الإقدام، وهو أمر له ما بعده شريطة أن يكون تغيراً إستراتيجياً في فكر وبنية الجماعة، وليس مجرد صحوة مؤقتة.
هذا التطور النوعي ـ الجديد ـ أكدته تصريحات المرشد العام للإخوان المسلمين الأستاذ محمد مهدي عاكف في مؤتمره الصحفي الذي عُقد في مقر الجماعة بالقاهرة يوم الأحد 8 / 5 / 2005، والذي أكد فيه أن ما حدث هو نوع من الاحتجاج الرمزي، وهو هنا يشير إلى أن مقررات الجماعة كبيرة جداً، وأن الجماعة قادرة على إخراج مئات الألوف من الناس للتظاهر، وبالتالي فإن على النظام وعلى القوى السياسية الأخرى عدم تجاهل الإخوان المسلمين في أي تطور سياسي في مصر؛ لأن هذا ضد المنطق والمصلحة، وأكد المرشد العام للإخوان من جديد على ضرورة دعم الحريات ومحاكمة قتلة المتظاهرين، وإلغاء قانون الطوارئ، وكلها أمور تدل على تطور هام ونوعي في لغة الإخوان المسلمين.
الأمر الأكثر دلالة هنا هو أن المرشد العام للحركة أكد على رفضه القاطع للتحاور مع الأمريكان، وهو موقف مشرّف للحركة ولا شك. نحن إذاً أمام تطور نوعي، نود أن يتحول إلى إستراتيجية ثابتة لجماعة الإخوان المسلمين، وفي تلك الحالة سوف تحصد الجماعة مصداقية عالية، أما إذا انتكست الجماعة، وباعت الناس ومشاعرها في مقابل صفقة مع الحكومة فإنها تفقد الكثير من مصداقيتها ومن تعاطف الجماهير المصرية معها.
نأمل أن يكون الموقف إستراتيجياً، ونميل إلى الاعتقاد بأن هذا التطور له أسبابه الموضوعية والذاتية منها أن الجماعة أصبحت على قدر كبير من القوة والانتشار، ومنها أن الظروف الموضوعية في مصر ناضجة للحركة تماماً وأن عدم قطف الثمرة في ذلك الوقت يعني خيانة الأمة والحركة بل ويهدد بانشقاقات في الحركة ذاتها ربما يهدد وجودها ذاته، ومنها أن هناك صراعاً داخل الحركة بين تيار يمثله المرشد العام ومجموعة من الشباب الراغب في تبني إستراتيجية أكثر راديكالية، ومجموعة أخرى لها مصالح اقتصادية تقتضي التهدئة بل, وأحياناً التوافق مع الأمريكان والنظام المصري، ويمكننا أن نقول: إن سيادة مجموعة المرشد والشباب سيعني الكثير على مستوى حاضر الحركة ومستقبلها السياسي في مصر.
ملحوظة: المقال لا يمثل نظرة الموقع لأي جماعة على الساحة وإنما هو استشعار من الموقع لأحداث الأمة في بقاع الأرض.